تمر بي الليالي نابغية، لا يكاد يغمض لي فيها جفن، ولا يطمئن بجنبي مضجع، أدعوا النوم فلا يجيب، وأنشد السلوى فلا أجد إليها سبيلاً، فأقلّب بصري في السماء لعلي أجد في آفاقها العزاء، فأجد القمر قمراً منيراً يتهادى في مهرجان الليل وعرائس الزينة، ويرسل ابتساماته الفضية على الأرض، فتملأ السهل والجبل والوادي، فتهيج بي الذكريات، ذكريات ليال كنت فيها كوكباً وهاجاً مثل هذا الكوكب، وكانت في سمائي نجوم مثل هذه النجوم، ليالي احتفالات حاشدة، ومؤتمرات وافدة، ليال كانت فيها القصائد تجلجل، وكانت فيها الخطب تصلصل، ليال كان فيها وعيد يزفر زفير جهنم، وكانت فيها حماسة تشتعل اشتعال الحريق المستطير، وما أنسى لا أنسى تصفيق جماهير يدوي دوي الطائرات المقاتلة.
أيتها السماء! لقد كانت لي زينة مثل هذه الزينة، وكانت لي احتفالات مثل هذه الاحتفالات، ولكن زينتي، واحتفالاتي كانت ميناً وزوراً، وأما أنت فما أنت فيه من عند الله.
لست أبالي أن يتهدم بنياني الراسي، وأن تتناثر أحجاري المرصوصة، وأن أصبح كومة من تراب، إذا كان ذلك سبيلاً إلى صون حرمتي من الدنس، وحفظ كرامتي من الهوان، ماذا أفادتني هذه الزخارف التي أنفقت في سبيلها الأموال والسنون؟! وأي طائل نلنه من ترميمات جاد بأمواله المسلمون؟!.
أيظنني الناس دمية يتلهى بها فعليّ أن أكون جميل المنظر؟! أيراني الناس مزاراً سياحياً فيجدر بي أن أكون جذاب الرؤية؟! خابت الظنون!! وفالت الآراء! أنا إيمان يملأ القلوب قبل أن أكون بناءً يملأ الأعين، وعمارة في الصدور قبل أن أكون عمارة على الأرض، فإذا حرصت على حياة, وخفت سوء مصير فما ذلك حرصاً على حجارة قائمة، وإنما هو الخوف على الإسلام أن يلحق به الذل، وعلى الكرامة أن تدس في الرغام.