بل إنّ سورة المائدة من أواخر سور القرآن نزولاً فقد أخرج أحمد والنسائي والمنذر والحاكم وصححه وابن مردوي ة والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال:"حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: يا جبير، تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه, وما وجدتم من حرام فحرموه"[٥] .
وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرظي قال:"نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته، فتصدعت كتفها، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من ثقل الوحي"[٦] .
وإذاً فمدنية هذه السورة بناء على أرجح مذاهب العلماء وأشهرها من أن المدني ما نزل بعد الهجرة، ولو كان نزوله بمكة أو في الطريق بين مكة والمدينة، فالحد الفاصل بين المكي والمدني هو وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكل ما نزل قبله من القرآن فهو مكي، وكل ما نزل بعده فهو مدني ولو كان نزوله بمكة [٧] .
عدد آياتها:
هي مائة وعشرون آية عند الكوفيين، ومائة وثلاث وعشرون آية عند البصريين، ومائة وثنتان وعشرون آية عند غيرهم.
وسبب هذا الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ على أصحابه السورة لأول مرة - بعد أن يكتمل نزولها - يقف على رأس كل آية للتوقيف وإعلامهم برؤوس الآيات والفواصل، فإذا قرأ السورة نفسها مرة أخرى فإنه قد يصل بين آيتين منها؛ لأن الثانية تتم معنى الأولى، فيظن من لم يسمع القراءة الأولى لهذه السورة أن هاتين الآيتين آية واحدة، فيترتب على هذا الاختلاف في عدد الآيات.
وهناك سب آخر لاختلاف الكوفيين والبصريين وغيرهم في عدد الآيات القرآنية، هو الاختلاف في البسملة وهل هي آية من كل سورة أو لا؟ فمن عدّها آية تكون السورة عنده أزيد آية واحدة بالنسبة لغيره الذي لا يعتبرها كذلك [٨] .