للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى كل فالخطب في مثل هذا الاختلاف يسير هين، لأنه لا يترتب عليه زيادة ولا نقص في القرآن الكريم، فمن قال: إن سورة المائدة مائة وعشرون آية، لا ينكر ثلاث آيات منها بناء على الرأي الآخر الذي يقول: إنها مائة وثلاث وعشرون آية, وصاحب هذا القول الأخير لا يضيف إلى السورة ثلاث آيات، لا يقول بها صاحب الرأي الأول - وإذاً فلا ضرر في هذا الاختلاف؛ لأنه لا يترتب عليه زيادة ولا نقص في النص القرآني، وإنما هو خلاف في عدد الآيات فقط وإن كان الكل مجمعين على آيات كل سورة بلا خلاف.

علاقتها بسورة النساء:

إن المتأمل في هاتين السورتين ليرى أن الثانية تناسب الأولى وترتبط بها من وجوه عديدة:

الأول: أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود، صراحة أو ضمناً, فالصريح: عقد النكاح والصداق والحلف والمعاهدة، والضمني: عقد الوصية والوديعة والوكالة والعارية، وغير ذلك مما هو داخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..} (النساء: الآية: ٥٨) , فناسب ذلك أن تتبع هذه السورة بما يناسب ذلك وهو الأمر بإيفاء العقود والحفاظ عليها والالتزام بموجبها وذلكم في قوله تعالى في مطلع سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ..} (المائدة: الآية:١) , فكأنه قيل: يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة السابقة وإن كان في هذه أيضاً عقود، ذكر هذا الوجه الآلوسي نقلاً عن الجلال السيوطي [٩] .

الثاني: أنه سبحانه لما ختم سورة النساء آمراً بالتوحيد والعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، حيث بيّن أنصبة الورثة وحذّر من تجاوز ما شرعه وبينه حيث قال: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (النساء: الآية:١٧٦) ناسب ذلك أن تفتتح هذه السورة بالأمر بالإيفاء بالعقود والمواثيق والحفاظ عليها، وعدم التحلل منها بحال.