وأما ترتيب السور القرآنية في المصحف وكونه من عمل الصحابة, فإن ذلك أيضاً لا يمنع من وجود المناسبات والعلاقات بين السور القرآنية؛ لأن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - كانوا في عملهم ملتزمين الترتيب الذي علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يتلو القرآن أمامهم في الصلاة وخارجها.
وخلاصة ما تقدم أن الآيات القرآنية قد رتبت في عهد رسول الله وبتوقيت منه عن جبريل عليه السلام، حفظاً في الصدور وكتابةً في السطور، وأما السور فقد رتبت في عهده حفظاً فقط، ولم ترتب كتابة لعدم جمع القرآن كله في مصحف واحد في عهده صلى الله عليه وسلم، فقام أصحابه رضوان الله عليهم بهذا العمل على النحو الذي كانوا يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل الإمام الشوكاني يريد أن يقول إن المناسبة بين بعض الآيات قد لا تكون واضحة، أو أن العقول البشرية قد تقصر أو تعجز عن إدراكها, وفي مثل هذه الحالات فإنه يحسن عدم التكلف والتعسف في إظهارها تنزيهاً لكلام الله تعالى عن محض الرأي المنهي عنه.
والذي يدفعني إلى هذا الفهم من كلام الشوكاني أمران:
الأول: أنه إمام من أئمة التفسير وعلم من أعلامه المبرزين فيبعد على مثله أن ينكر المناسبات بين آيات القرآن الكريم وسوره فيما يظهر لي ولو أن كلامه يبدو منه الإنكار.
الثاني: أن الدارس لتفسير الشوكاني يجد أنه كثيراً ما يذكر المناسبات والعلاقات التي تربط آيات القرآن الكريم بعضها ببعض في عبارة واضحة لا لبس فيها ولا خفاء وأكتفي بذكر مثال واحد يؤكد هذه الحقيقة: