ثم تترى الآيات لتحدد الأيام المعدودات داخل شهر اسمه "رمضان"، قلّ أن تكمل أيامه ثلاثين، وتقدمه الآية بأنه شُرّف بما هو أعظم من الصوم الذي يقع فيه، فقد اختير دون أشهر السنة لينزل فيه كتاب الله، فكتاب الله كل، والصوم فيه جزء، والصوم أمره ينتهي في الدنيا، والقرآن عابر لحدودها فهو الذي نظم أمرها، ومن هنا عظم شأن رمضان بالقرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ، وما أمر هذا القرآن الذي رفع به ذكر رمضان، لقد عرفت الآية أمره بأوجز بيان وأوسع معان {هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} , هدى للناس لما علموا منه بديع هذا الملكوت الهائل بسمائه وأرضه وما بينهما وهم ضمنه، فاهتدوا لما انتهوا بنهيه وائتمروا بأمره، وكرموا بذلك آدميتهم تمييزاً لها عمن هم من الأنعام أضل، رجاء أن يؤمنهم ربهم من خوف الدنيا وفزع الآخرة، وبينات من الهدى التشريعي والحكم التنظيمي، والحد الذي يقف كلٌ عنده، فاستقام أمرهم وطاب زمانهم وتآخى جمعهم، وكما هو بينات من الهدى التشريعي بينات من الفرقان لما وضع لهم الفوارق الواضحة والضوابط الفاصلة بين ما هو صدق وما هو كذب، فأشرقت جوانحهم وأنست أفئدتهم للصدق الذي وضحه، ونفرت من الكذب الذي فضحه ذلك هو القرآن الذي نزل في رمضان، فشمخت به مكانة الشهر وبوركت أيامه، فأفاض الله على صائميه من خزائن رحمته بما شاء.