للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا فرعون مع كفره، وادعائه الربوبية العليا، بل والألوهية المتفردة يقر بربوبية الله تعالى، فيقول سبحانه في حق فرعون حاكياً عن موسى عليه السلام {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [١٥] .

وهذا إبليس اللعين يعترف بربوبية الله تعالى فيقول: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [١٦] ، ويقول: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [١٧] ، ويقول: {إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [١٨] .

فالكفار والمشركون أقرّوا بأن الله خالقهم، وخالق السموات والأرض وربهن ورب ما فيهما ورازقهم, لهذا احتج عليهم الرسل بقولهم: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [١٩] .

أثر إقرارهم:

ورغم أن الكفرة والمشركين قد أقروا بتوحيد الربوبية لله تعالى، فإن هذا الإقرار لم ينفعهم شيئاً، ولم يخرجهم من كفرهم وشركهم، ولم يصبحوا بهذا الإقرار موحدين لله جل وعلا.

لقد كانوا يوحدون الله تعالى في ربوبيته، وملكه, وقهره، وكانوا يعبدونه ويخضعون له أنواعاً من العبادات وقت الاضطرار، كما يقول تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [٢٠] . وكانوا يدّعون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام، فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [٢١] .

بل كان بعضهم يؤمن بالبعث والحساب، وبعضهم يؤمن بالقدر, كما قال زهير:

يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر

ليوم حساب أو يعجل فينتقم

وكما قال عنترة: