ومع هذا الإيمان، فإن دماءهم وأموالهم فد أبيحت، لإشراكهم في توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله، ولم ينفعهم إقرارهم بتوحيد الربوبية وحده دون توحيد الله تعالى في عبادته.
ولذلك ما اعترضوا على توحيد الربوبية حين ذكرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان اعتراضهم وإنكارهم وتعجبهم على دعوته لهم إفراد الله تعالى بالعبادة, وذلك فيما حكاه الله جل وعلا عنهم في قوله:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ, أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ! وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ, مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاّ اخْتِلاقٌ}[٢٢] .
فكانت النتيجة لاقتصارهم على هذا لإقرار بالربوبية أنه أبيح قتالهم وعدم رفع السيف عنهم حتى يقروا بشهادة أن لا إله إلا الله تلفظاً، وفهم معنىً, وتنفيذ مقتضى, والكفر بما يعبد من دون الله، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"، وفيما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله", وقد أجمع العلماء على أن من قال (لا إله إلا الله) ، ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها، يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات.