وأما التنظيم في العمل الإصلاحي فإن المراد منه: ترتيب الأعمال، وتقديم بعضها على بعض بحسب وجودها، وافتقار بعضها إلى بعض حتى لا يختلط بعضها ببعض، فتتعقد وتتعطل. إن النظام في العمل الإصلاحي هو بمثابة المفتاح لفتح خزائن الأموال فلو جاء أحد إلا خزانة مال حديدية يريد فتحها بدون مفتاحها الخاص بها لما أمكنه ذلك، ولا نال منها شيئاً أبداً، ومها قلبها وضربها، ولكن بمفتاحها الخاص يفتحها، ويطلع على ما فيها، ويخرج منها ما يشاء.
فالقلوب البشرية أوعية لا يفتحها المصلح إلا بمفاتيحها الخاصة بها وهي الصبر، والحلم، والأناة، والحكمة، والنظام، والعلم.
وأما العلم: وهو شامل لمعرفة طرق الهداية، ولمعرفة الوسائل والغايات، فالذي يجهل طرق الهداية لا يصل بمن يريد هدايته إليها، والذي لا يعرف والوسائل ولا كيفية استعمالها لا يمكنه أن يسلك بأحد طرق الهداية، ويصل به إليها فيهديه، والذي لا يعلم النتائج والغايات لا يتأتى له أن يحدث عنها، أو يصدقها حتى يرغب فيها، ويحمل الناس على حبها، والرغبة في العلم من أجلها، ولذا كان العلم من ضروريات العمل الإصلاحي الناجح، ولا حق لغير العالم في أن ينصب نفسه هادياً للناس مصلحاً لهم، لجهله بما يدعون به من الحكم والوسائل والنظام، ولما يدعوهم إليه من كمال المقاصد، وشريف الغايات، وبل الأهداف المتمثلة في النجاة والسعادة والكمال في الحياتين.