والحج مؤتمر يقام كل عام على نحو تعجز أقوى أمم العالم وأدقها تنظيماً أن تقيم مثله ولو في العمر مرة ولا تكاد توجد جماعة من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلا وفي هذا المؤتمر من يمثلها. قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[٥] .
إذا علمنا أن لكل عبادة غايتها المثلى وهدفها الأسمى فإن للحج من الغايات الكريمة والعوائد المحمودة ما لا يستطيع القلم أن يحصيه عداً، أو يستوعبه دراسة وبحثاً، وعليه سيكون حديثنا قليلاً من كثير وغيضاً من فيض.
إن الحاج إذا عزم على الحج، وشرع في الأعداد له فالذي يجدر به أن يبتعد عن الأخلاق الذميمة فلا يرفث ولا يفسق ولا يجادل ولا يشاحن، ولا يزاحم الناس، ولا يؤذي أحداً، ولا يظن به سوءاً، ولا يضمر له شراً، ولا ينظر إليه بإزادراء، ولا يطلق لسانه في أعراض الناس، ولا يستمع إلى غيبة ولا نميمة، ولا يستمع إلى منكر من القول وزور، ولا يشتغل بسفساف الأمور، ولا يغش، ولا يكذب ولا يرائين ولا يظلم، ولا يتكبر إلى غير ذلك من الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الدين، وحذر منها، وهي وإن كانت منهياً عنها في كل وقت وحين إلا أنها في الحج آكد وبالحاج أليق.