وقد جاءت هذه الآية وما قبلها وما بعدها في سورة البقرة إقراراً للمنهج الإلهي في تعهد الأمة المسلمة بالتربية والرعاية والتوجيه، فقد ذكر لنا ربنا قبل هذه الآية صفات الإنسان البار ونادى الأمة المؤمنة ففرض عليها القصاص في القتلى، وبين لها بعض أحكام الوصية وأحكام الصيام، كما نهى عن أكل أموال الناس بالباطل، وبين أن الأهلة مواقيت للناس والحج، كما دعا إلى الجهاد في سبيل الله وأمرنا أن نقاتل المشركين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، ووضع الركيزة القوية للجهاد في سبيل الله حين أمر بالإنفاق وحث عليه، فإن إعداد المجاهدين ليس بالأمر السهل ولا الهين إنما يحتاج إلى البذل والتضحية والعطاء. يحتاج إلى المال الوفير، وإذا شح الناس بأموالهم هلكت الأمة وتعرضت للدمار، ولهذا قال:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ..
فالإحسان مطلب أهل الإيمان، إنهم يبذلون غاية وسعهم لتأتي هذه الأحكام التي أمرهم الله بها على خير ما يحب ربهم ويرضى، إنهم يجعلون من إحسانهم في أداء عملهم وسيلة ينالون به رضا مولاهم الذي أخبرهم بأنه يحب المحسنين. وعلى طريق هذا الإحسان يأمرهم الإله الكريم العظيم ويوضح لهم ما يجب عليهم أن يلتزموا به إذا ما أرادوا الحج والعمرة، ويبين لهم بعض أحكام الحج ومعاييره فيقول:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ..} الآيات..
فلنتابع هذه الأحكام وتلك المعايير كما نطق بها الوحي الإلهي وأوضحتها ألفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة المشرفة.
١- وأتموا الحج والعمرة لله..
بدأت هذه الأحكام بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ..} فما هو المقصود بإتمام الحج والعمرة؟ وما معنى أن يكون هذا الإتمام لله..؟؟