إن الأمر لا يرد بإتمام شيء إلا إذا كان قد بدىء فيه، ولهذا اتفق العلماء على وجوب إتمام مناسك الحج والعمرة إذا ما أحرم بها المسلم. بدليل قوله بعد هذا الأمر {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ..
يقول ابن عباس:"من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل حتى يتمهما: تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وطاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل "وعنه أيضاً أنه قال:"الحج عرفة "[١] .
أما قبل الشروع فيها فليس في الآية دليل على وجوب الحج والعمرة، فإذا ما أردنا أن نعرف حكم كل منهما فعلينا أن نبحث عن أدلة أخرى ليتضح لنا أن الحج ركن من أركان الإسلام، وأن العمرة واجبة، وأن وجوب الحج ليس موضع خلاف، إنما موضع الخلاف هو العمرة: هل هي واجبة أو مندوبة؟
وقد قال بالوجوب جمع من الصحابة والتابعين منهم: علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاووس والحسن البصري وابن سيرين، وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء، وهو المشهور عن الشافعي وأحمد، وحجتهم في هذا حديث أبي رزين العقيلى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن (أي السفر) فقال: "حج عن أبيك واعتمر" [٢] .
وفي هذا يقول الإمام أحمد:"لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا أصح منه ".
ومن أدلتهم على الوجوب أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"قلت يا رسول الله: هل على النساء من جهاد؟؟ قال:"نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة ... "[٣] .
أما من قال بأنها سنة مؤكدة تؤدى مرة واحدة في العمر: فهم الحنفية والمالكية، وحجتهم في هذا اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج في بيانه لأركان الإسلام الخمس، ويدل على ذلك قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فقد اقتصر على الحج أيضاً ولم يذكر العمرة.