وكان عمر- رضي الله عنه- ينهى عن الاعتمار في أشهر الحج ويرى أن هذا من تمامهما، وذلك ليكثر الوافدون لبيت الله الحرام على امتداد العام، وهذا ما روي عن القاسم بن محمد، وقتادة، فهما يقولان:"إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة ولكن هذا مردود بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة: عمرة بالحدييبة في ذي القعدة سنة ست، وعمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان، وعمرته التي مع حجته أحرم بهما معاً في ذي القعدة سنة عشر، وما اعتمر في غير ذلك بعد هجرته، ولكن قال لأم هانىء:"عمرة في رمضان تعدل حجة معي ". وما ذاك إلا لأنها قد عزمت على الحج معه- عليه السلام- فعوقت عن ذلك بسبب الطهر كما هو مبسوط في الحديث عند البخاري.
هذا هو الحكم الثاني في الآية وهو الإحصار.. فما هو الإحصار؟ وماذا يفعل المحصر؟؟.
الإحصار هو: المنع، فهل كل ما يمنع الوصول لمكة يوجب الفداء والقضاء؟ وهل يمكن أن نقول: إن من تمكن من الوصول وأدى بعض المناسك ومنع من البعض يعتبر محصراً؟ وماذا سمى الفقهاء من يدرك وقت الوقوف بعرفة: سواء كان ذلك بعذر أم بغير عذر؟ وماذا يفعل هذا وذاك؟؟.
يرى الحنفية أن الحصر يتحقق بالمنع من الوصول إلى مكة بعد الإحرام: بعدو أو مرض أو غيرهما، ودليلهم في هذا قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} فقد قالوا:"هناك فرق بين الإحصار والحصر. الإحصار يكون بالمرض ونحوه والحصر يكون بالعدو والذي في الآية هو الإحصار، وإنما يدخل فيه حصر العدو لأن العذر بالعدو في المنع أقوى "، وما رآه الحنفية هو الموافق لما قال أهل اللغة، فقد قال ابن العربي:"هذا رأي أكثر أهل اللغة "، وقال الزجاج:"إنه كذلك عند جميع أهل اللغة "، وقال أبو جعفر النحاس:"على ذلك جميع أهل اللغة ".