أما بالنسبة للمحصر فقد قال تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي فما تيسر من الهدي، فعليه أن يذبح شاة في موضع إحصاره كما قال الشافعية أو يبعثها للحرم لتذبح عنده أو يبعث بثمنها لتشترى به ثم تذبح هناك كما قال الحنفية، على ألا يتحلل إلا بعد مرور وقت كاف يمكن للهدي أن يصل فيه للحرم ويذبح، تحقيقاً لقوله تعالى:{وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} .
وبذبح الهدي يتحلل من إحرامه. وقال الشافعية: لا يتحلل إلا بعد الذبح والحلق أو التقصير، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم لذلك يوم الحديبية، وبفعله اقتدى أصحابه رضي الله عنهم.
وإذا كان المحصر قد تحلل من إحرام واجب وجب عليه القضاء، ومن فاته الوقوف بعرفة: عليه أن يتحلل بعمرة بأن يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر وعليه الحج من قابل، أما النفل فعند الأئمة الأربعة يجب عليه القضاء لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ..} وذلك عام في الحج والعمرة: فرضاً أو نفلاً، وفي رواية عن مالك وأحمد أن النفل لا قضاء فيه.
ومع التحلل بالعمرة والقضاء: هل يجب عليه هدي؟ ؟ عند الحنفية: لا هدي عليه، وعند الأئمة الثلاثة: يجب عليه هدي يذبحه في حج القضاء وذلك لما رواه مالك في موطئه بسند صحيح أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجاً حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة أضل رواحله وأنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر فذكر ذلك له فقال عمر:"اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإذا أدركك الحج قابلاً فاحجج واهد ما استيسر من الهدي ".
وهذا هو الحكم الثالث في الآية، فما صلته بالحكمين السابقين؟ ؟ هل هو تابع لقوله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ؟ أو لقوله:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ؟ ؟