جمهور العلماء يرى أن هذا النهي تابع لقوله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، لا لقوله:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} لأن المحصر يذبح هديه في موضع الإحصار ولا يجب عليه أن يبعث بهدية إلى الحرم، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر في الحديبية.
وقد رأى الحنفية - كما سبق أن بينا - أن المحصر يجب عليه أن يبعث شاة تذبح عنه في الحرم، أو يبعث بثمنها لتشترى به ثم تذبح هناك، ولا يتحلل إلا بعد أن يمضي وقت يتمكن فيه من يأخذ الشاة أو يشتريها من الوصول للحرم وذبحها عنده.
وقد أجاب الحنفية على نحره - صلى الله عليه وسلم- في الحديبية بأن طرق الحديبية من الحرم فالرسول- صلى الله عليه وسلم – ذبح الهدي في الحرم.
وأما من قال: إن هذا النهي تابع لقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقد رأى أن الحلق يأتي بعد إتمام أفعال الحج والعمرة لمن كان قارناً، أو بعد الفراغ من أحدهما لمن كان مفرداً أو متمتعاً، فقد ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت:"يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟. فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ".
ومحل نحر الهدي كما قال تعالى:{لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وعلى هذا نستطيع أن نفهم حكم الترتيب بين الحلق والذبح، ومن الواضح أن هذا الترتيب واجب ويؤيده فعله صلى الله عليه وسلم وقد قال: "خذوا عني مناسككم" كما يؤيده قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[٨] .