ويستدل على هذا وما قبله أيضاً بما أخرجه البخاري عن عبيد الله ابن عمر العمري عن نافع ابن عمر انه قال:"لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك"[٤٢] .
٤- فدية الأذى: لأن المطلوب أن يأتي بها كاملة من غير نقص سواء كانت لحماً أو غيره [٤٣] . وقد روى سعيد بن منصور في سنته عن عطاء "لا يؤكل من جزاء الصيد ولا مما يجعل للمساكين من النذر غير ذلك ولا من الفدية ويؤكل مما سوى ذلك"[٤٤] .
وإذا حدث تعد من صاحب الهدي فأكل من الهدايا التي منع من الأكل منها، فهل يغرم هدياً كاملاً، أو يغرم قيمة ما أكل، رجح ابن العربي القول الثاني، لأن النحر قد وقع، والتعدي إنما حدث على اللحم فقط فيغرم قدر ما تعدى [٤٥] .
أما هدايا المتعة والقران والتطوع فيجوز لأصحابها الأكل منها لأنهما دماء نسك فهي بمنزلة الأضاحي، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها وحسا من مرقها، كما أنها باقية على العموم المستفاد من قوله تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}[٤٦] . وكذلك الآثار المروية عن السلف فيما سبق تدل على بقاء حلها لأصحابها ودخولها في عموم الآية السابقة وقد جاء في آخرها {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} .
حكم أكل صاحب الهدي من هديه:
الأمر الموجه لصاحب الهدي بالأكل من هديه المستفاد من قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا} الآية: هو للندب عند جمهور العلماء خلافاً لمن أوجب ذلك منهم، لظاهر قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا} وأيضاً لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم "كلوا وتزودوا"[٤٧] .
ويرد عليهم بأن أسلوب الأمر كما يأتي للطلب المقتضى للوجوب قد يأتي للندب بل قد يأتي للإباحة كقوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[٤٨] . ومعلوم أن الصيد بعد انتهاء الإحرام مباح وليس واجباً.