ثم يحلقون رءوسهم، ويتوجهون شطر المسجد الحرام ليؤدوا طواف الركن ثم يعودون إلى منى، وتنتهي بذلك أعمال يوم النحر.
اليومان الرابع والخامس:
ونحن نلاحظ في هذين اليومين أن الحاج ليس عليه إلا أن يهىء نفسه للمبيت بمنى ويستعد لرمي الجمرات الثلاث.
وإني لألمح من خلال إقامة الناس بمنى يومين أو ثلاثة بعد يوم النحر اهتمام الإسلام في أداء هذه الفريضة بتربية النفس الإنسانية على الطاعة، وتعويدها على التقشف، وأخذها بالعزائم من الأمور، أليس الإسلام دين كفاح وجهاد؟ ألم يحث الرسول - صلى الله عليه وسلم- على أن يكون الإنسان المسلم على أهبة الاستعداد للنفير؟؟
فكيف تبقى في نفوس المسلمين هذه المعاني إذا ألفوا الدعة وأخلدوا إلى الراحة، وقضوا حياتهم في ترف ونعيم؟؟.
لابد إذن من المبيت في الخيام وعلى الأرض، والاستغناء عن الفرش الوثير والسرر الموضونة، ولا بد من تهيئة النفس لمثل ذلك اليوم إذا اقتضت الضرورة، ودعا داعي الجهاد.
ولابد كذلك من ترويض النفس على السير في موكب المؤمنين وهم في طريقهم إلى الجمرات ليثبتوا ذاتياتهم، ويوثقوا عهدهم مع الله على السير في طريق الخير وإعلان الحرب على الشر مهما كانت دوافعه ومهما تعددت وسائله.
ونستطيع أن نؤكد بعد ذلك أن الحج دورة تدريبية للمؤمن يحضرها كل عام عشرات الآلاف من المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، ويتدربوا فيه على التقشف وطرح الدنيا خلف ظهورهم حتى يكونوا على استعداد لتلبية نداء الحق- تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[٦] .