رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً وعباد الله خولاً، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائفة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح فعادت وبالاً على أصحابها وعلى الإنسانية. فقد تحولت الشجاعة فتكاً وهمجية والجود تبذيراً وإسرافاً، والأنفة حمية جاهلية والذكاء خديعة، والعقل وسيلة لارتكاب الجنايات والإبداع في إرضاء الشهوات.
رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح خشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع. والسياسة كجمل هائج على غاربه، والسلطات كسيف في يد سكران يجرح به نفسه ويجرح به أولاده واخواته.
قلت: وإذا كان الأستاذ الندوي نقل هذه الصورة الصادقة عن المصادر العلمية والتاريخية فإن صورة العالم اليوم لا تختلف عن تلك الصورة إلا في أن صورة عالم اليوم ابتكرت لشره وبلائه وتحطيمه وسائل أكثر هدماً وأسرع فتكاً وأشد بريقاً ولمعاناً تزخرف وتنفذ بسرعة هائلة يصعب على المرء متابعتها حيث ينسى بلاء اليوم محنة الأمس.
ومصادرها الحس والمشاهدة، ودليلها النتائج المدمرة..
وأصبحت الذبابة نحلة
هل رأي أحد يوما الذبابة القذرة التي لا تعيش إلا على العفن والأوساخ والتي تنقل الأمراض المعدية الفتاكة المؤذية، هل رأى أحد تلك الذبابة تحولت بذاتها إلى نحلة تنتقل من زهرة إلى أخرى تقطف من أكثرها طراوة وأحسنها رائحة ما تحوله في معملها العجيب إلى عسل مصفى فيه شفاء للناس.