ولقد كانت أمم العالم قل البعثة المحمدية- التي حملت أقوم منهج للبشرية كلها إلى يوم القيامة- في تيه وضياع. كانت كما وصفها الأستاذ الندوي في كتابه القيم "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين". بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً فإذا كل شيء فيه في غير محله، نظر إلى العالم فرأى إنساناً هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والنهر وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضرر.
رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته فلم تعد تستسيغ البديهيات وتعقل الجليات وفسد نظام فكره فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس. يستريب في موضع الحزم ويؤمن في موضع الشك.
وفسد ذوقه فصار يستحلى المر ويستطيب الخبيث ويستمرىء الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم ولا يحب الصديق الناصح.
أرى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعياً، والخصم الجائر قاضياً وأصبح المجرم فيه سعيداً والصالح محروماً شقياً، لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر.
ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية وتسوقها إلى هوة الهلاك، رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال، ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة، ورأى القسوة والظلم إلى حد وأد وقتل الأولاد.