ثم طرأ بعد ذلك ما طرأ على منهج التلقي، فاقتحمت عقائد اليونان أبواب الدولة الإسلامية في فلسفاتهم التي دخلت على أساليب علماء المسلمين ومصطلحاتهم، وخرافات الهند وفارس وطقوس النصارى التي علقت بعبادة الصوفيين ثم استحكم التقليد المذهبي قي الفقه الإسلامي وركود في مكانه.
ودب الخلاف بين المسلمين في الأصول والفروع وتفضيل هذا المذهب على ذاك حتى ابتعد الناس عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانطفأت جذوة العاطفة وخيم الجحود.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الجمود لم يطرأ على المسلمين إلا عندما توقف الفتح الإسلامي الذي كان قد وصل إلى حدود الصين شرقاً وإلى المحيط الأطلسي غرباً وإلى حدود فرنسا في أوروبا، والذي كان الفقه الإسلامي يتصاعد بتصاعده.
وتبع ذلك خلود إلى الأرض وكسل في العمل وقعود عن معالي الأمور فانحط العلم الإسلامي انحطاطاً اختلت به الموازين وتقدم ركب البشرية غير قائده فسلك بها دروب الهلاك وأوقعها في شباك الردى.
نقلت أوربا علوم المسلمين في معاهدهم وجامعاتهم بالأندلس، ونقلتها كذلك عندما اصطدمت بهم في الحروب المسماة بالصليبية لمدة قرنين من الزمان، وقد كان أهل أوربا بعيدين كل البعد عن العلوم التجريبية إذ كانوا يدرسون العلوم دراسة نظرية تشككهم في معلوماتهم الكنيسة في كل ما يخالف تعاليمها المنسوبة إلى الله زوراً وبهتاناً ولكنهم بعد أن تتلمذوا على يد المسلمين وجنوا بعض ثمار تلك العلوم لم يعودوا يأبهون بمزاعم الكنيسة أو يقبلونها بل صمدوا ضدها رغم القهر والاعتساف والتهديد حتى هزموها في نهاية المطاف ولم تعد منح الدنيا والآخرة معاً أو منعها من أحد.