للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبنقل أوربا تلك العلوم من جامعات المسلمين نبتت نواة حضارتها المادية وكانت قبل ذلك تغط في نوم عميق من التأخر والوحشية، ولنستمع إلى شهادة أحد أبنائها من أعداء الإسلام قال: غوستاف لوبون في كتابه- (حضارة العرب) :"ظهر مما تقدم أن تأثير الشرق في تمدين الغرب كان عظيماً جداً بفعل الحروب الصليبية وأن ذلك التأثير كان في الفنون والصناعات والتجارة أشد منه في العلوم والآداب وإذا ما نظرنا إلى تقدم العلاقات التجارية العظيم باطراد بين الغرب والشرق وإلى ما نشأ من تحاك الصليبيين والشرقيين من النمو في الفنون والصناعة تجلى لنا أن الشرقيين هم الذين أخرجوا من التوحش وأعدوا النفوس إلى التقدم بفضل علوم- العرب وآدابهم التي أخذت جامعات أوربا تعول عليها فانبثق عصر النهضة منها ذات يوم "اهـ.

وبهذا الانبثاق المبني على عداء الكنيسة لتلك العلوم بدأت أوروبا نهضتها على أساس فصل الدين عن العلم، فلا يعمل في المصنع ما يعمل في الكنيسة ولا يفكر المتعبد في الكنيسة بأمور المصنع، أي إما علم بلا دين وإما دين بلا علم؛ فابتعدوا عن الله ابتعاداً سبب الفساد المنتشر في الأرض، وهو ينذر بالدمار والهلاك.

قال سيد قطب رحمه الله في كتابه: (في ظلال القرآن) :"والعلم الذي يبعد القلب عن ربه علم فاسد زائغ عن مصدره وعن هدفه لا يثمر سعادة لصاحبه، ولا للناس إنما يثمر الشقاء والخوف والقلق والدمار؛ لأنه انقطع عن مصدره وانحرف عن وجهه وضل طريقه إلى الله. ولقد انتهت البشرية اليوم إلى رحلة جيدة من مراحل العلم بتحطيم الذرة واستخدامها، ولكن ماذا جنت البشرية اليوم من مثل هذا العلم الذي لا يذكر أصحابه الله ولا يخشونه ولا يحمدون له: ولا يتوجهون بعلمهم إليه؟ ماذا جنت غير الضحايا الوحشية في قنبلتي هيروشيما وناجازاكي وغير الخوف والقلق الذي يؤرق جفون الشرق والغرب معاً ويتهددهم بالتحطيم والدمار والفناء".