وأعظم هذه المنافع وأكبرها شأناً ما يشهده الحاج من توجه القلوب إلى الله سبحانه والإقبال عليه والإكثار من ذكره بالتلبية وغيرها من أنواع الذكر، وهذا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتعظيم حرماته والتفكير في كل ما يقرب لديه ويباعد من غضبه، ومعلوم أن أصل الدين وأساسه وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد هو تحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً وعقيدة، فالشهادة الأولى توجب تجريد العبادة لله وحده وتخصيصه بها من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة، لأن هذا كله حق لله وحده له شريك في ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال عز وجل:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا َّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا َّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} والدين هنا معناه العبادة وهي طاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام بفعل الأوامر وترك النواهي عن إيمان بالله ورسله وإخلاص له في العبادة وتصديق بكل ما أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم رغبة في الثواب وحذراً من العقاب وهذا هو معنى "لا إله إلا الله"فإن معناها لا معبود حق إلا الله فهي تنفي العبادة وهي الألوهية بجميع معانيها عن غير الله سبحانه وتثبتها بجميع معانيها لله وحده على وجه الاستحقاق، وجميع ما عبده الناس من دونه من أنبياء أو ملائكة أو جن أو غير ذلك فكله معبود بالباطل كما قال الله عز وجل:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} . ولهذا الأمر العظيم خلق الله الجن والإنس وأمرهم بذلك فقال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْس َ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي