أ - أول ما يواجه القارئ في ذلك البحث ما يحسه من تركيز الكاتب على تفنيد الزعم الذي يريد أن يلحق أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام بالنسب اليهودي إذ راح يستنبط من نشأته في أطراف بادية البصرة، الدليل الحاسم على انقاء العبرية والبابلية عنه نهائياً.. فإذا ما ثبت له هذا الانتقاء لم يبق إلا الحكم بعروبته، وإذن فليس إبراهيم عبرياً ولا بابلياً ولكن عربي عرقاً ودماً ولساناً.. ونحن لا يعنينا هنا أن نجادل في هوية الأرض التي درج عليها خليل الله (ع) فما ذلك مما يتصل بغرضنا في هاذ التعقيب، وإنما نذكر الدكتور الفاضل بأن أفحم رد على مزاعم يهود، في شأن هوية إبراهيم، إنما هو في شهادة الذكر الحكيم، الذي يقول لأهل الكتاب جميعاً:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وكيف يكون عبرياً ولم تكن العبرية قد وجدت بعد، وأين هو من النصرانية وقد سبقها بألفي سنة؟.
أما العروبة من حيث هي هوية لجنس، فما كان لها من ذكر في أيام إبراهيم ولم يحدث لها تجمع قومي قط يستحق اسم الأمة إلا بعد توحيد الإسلام للجزيرة العربية.. فيبقى النسب اللساني وهو الحقيقة الحاسمة، لأن لغة سام بن نوح عليه السلام ظلت في هذا الموطن قروناً محافظة على أصولها، فلم تحتك بها الألسنة إلا عقيب تباعد أصحابها وتفرقهم في أكناف الجزيرة.. كما تختلف لهجات العرب اليوم حتى لا يفهم جزائرى شامياً ولا يماني مغربياً إلا أن يرجعوا إلى لغتهم الأم.
فلغة إبراهيم عليه السلام هي لغة سام، وهي لغة العرب التي بها نزل كتاب الله على قلب محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك فما نسميه عربياً، لأن اللغة لم تكن قد اكتسبت هوية الجنس في أيامه، ولن نجد لأبي الأنبياء نسباً أكرم وأجل وأشرف من كونه حنيفاً مسلماً، كما سماه الله.