الوجه الثالث: أن سبب الجيران محظور في الأصل فلا يجوز الأقدام عليه إلا لعذر فإنه إما ترك واجب أو فعل محظور والتمتع مأمور به إما أمر إيجاب عند طائفة كابن عباس وغيره أو أمر استحباب عند الأكثرين فلو كان دمه دم جبران لم يجز الإقدام على سببه بغير عذر فبطل قولهم إنه دم جبران وعلم أنه دم نسك وهذا وسَّع الله به على عباده وأباح لهم بسببه التحلل في أثناء الإحرام لما في استمرار الإحرام عليهم من المشقة فهو بمنزلة القصر والفطر في السفر وبمنزلة المسح على الخفين وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه فعل هذا وهذا والله تعالى يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته. فمحبته لأخذ العبد بما يسره عليه وسهله له مثل كراهته منه لارتكاب ما حرمه عليه ومنعه منه والهدي وإن كان بدلا عن ترفهه بسقوط أحد السفرين فهو أفضل لمن قدم في أشهر الحج من أن يأتي بحج مفرد ويعتمر عقيبه والبدل قد يكون واجبا كالجمعة عند من جعلها بدلا وكالتيمم لعاجز عن استعمال الماء فإنه واجب عليه وهو بدل فإذا كان البدل قد يكون واجبا فكونه مستحبا أولى بالجواز وتخلل الإحلال لا يمنع أن يكون الجميع عبادة واحدة كطواف الإفاضة فإنه ركن بالاتفاق ولا يفعل إلا بعد التحلل الأول وكذلك رمي الجمار أيام منى وهو يفعل بعد الحل التام وصوم رمضان يتخلله الفطر في لياليه ولا يمنع ذلك أن يكون عبادة واحدة ولهذا قال مالك وغيره: إنه يجزئ بنية واحدة للشهر كله لأنه عبادة واحدة والله أعلم.