أحدها: أن الهدي في التمتع عبادة مقصودة وهو من تمام النسك وهو دم شكران لا دم جبران وهو بمنزلة الأضحية للمقيم وهو من تمام عبادة هذا اليوم فالنسك المشتمل على الدم بمنزلة العيد المشتمل على الأضحية فإنه ما تقرب إلى الله في ذلك اليوم بمثل إراقة دم سائل وقد روى الترمذي وغيره من حديث أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل فقال: "العج والثج" والعج رفع الصوت بالتلبية والثج إراقة دم الهدي فإن قيل يمكن المفرد أن يحصل هذه الفضيلة. قيل مشروعيتها إنما جاءت في حق القارن والمتمتع وعلى تقدير استحبابها في حقه فأين ثوابها من ثواب هدي المتمتع والقارن.
والوجه الثاني: أنه لو كان دم جيران لما جاز الأكل منه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل من هديه فإنه أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل من لحمها وشرب من مرقها وإن كان الواجب عليه سُبْعُ بدنة فإنه أكل من كل بدنة من المائة والواجب فيها مشاع لم يتعين بقسمة وأيضا إنه قد ثبت في الصحيحين أنه أطعم نساءه من الهدي الذي ذبحه عنهن وكن متمتعات احتج به الإمام أحمد فثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنه أهدى عن نسائه ثم أرسل إليهن من الهدي الذي ذبحه عنهن. وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال فيما ذبح بمنى من الهدي:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} وهذا يتناول هدي التمتع والقران قطعا إن لم يختص به فإن المشروع هناك ذبح هدي المتعة والقران ومن هنا - والله أعلم - أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر امتثالا لأمر ربه بالأكل ليعم به جميع هدية.