للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على البر (٣) ، تزكية النفس والتسامى بها ابتداء بالصلاة فما دونها من بقية العبادات وهنا نفى عن نفسه صورة البر الزائفة بوجهة المادة على المشرق أو المغرب دون جهة الروح المفصلة في الآية المجيدة، وأحلى وأجمل ما حمله معه المتصف بهذه الآية هو ختامها لما أسبغ عليه نعمة التقوى ظاهرة وباطنة، فأصبح سلوكه سلوك الربانيين وهذا أعلى منازل العباد عند الله بعد الملائكة والأنبياء.

هذا إيجاز موجز في معنى آية واحدة من كتاب الله، وقد تعرض للحديث عنها كثير من العلماء في كتيبات وكتب منفصلة حتى وصل بعضهم في الكلام عنها إلى كتاب مستقل بلغت صفحاته خمسمائة صفحة، فما بال القرآن كله إذاً؟.. سبحان من جعله كما قال عنه مخاطباً نبيه الذي أنزل عليه وجعله به خير عباده {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} .. "سورة النحل آية ٨٩"والمقصود بقوله تعالى {لِكُلِّ شَيْءٍ} كل شيء شمل الدنيا التي ستنتهي والآخرة التي لا تنتهي، هكذا فهمه الكرام الأعلام السابقون من أهل هذا القرآن، واليوم ما أمره عند من ينتسبون أو يدعون الانتساب إليه، إنني أستطيع القول بلا أقل تحرج، إن قوله تعالى على لسان رسوله في بداية ما نزل القرآن: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} "سورة الفرقان: آية ٣٠ ".. يمكن أن تقال هذه الآية حرفاً ومعنى، وإلا فمن يجيبني عن هذه الأسئلة؟ كم حاكم مسلم الآن ينفذ حكومة القرآن؟ كم فرد من المسلمين اليوم يحفظونه والنذر الذي حفظه كم منهم فهمه، والأكثر ندرة من الذي فهمه هل على نفسه طبقه ونفذه؟.. إن الذي بقي من القرآن الآن مقرئو المآتم والإذاعات والحفلات يتاجرون به ويشترون بآياته ثمناً قليلاً، وقراءتهم إلى الغناء والتلحين أقرب، ليشدوا أسماع الجهلاء بحسن النعم وليس بحسن المعنى، والذي بقي من القرآن الآن آلاف من النسخ المطبوعة المكدسة في المساجد وفي