وأما قوله تعالى:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، فكانت اليهود تقول للمشركين:"سوف يبعث هذا النبي ونقاتلكم معه فنقتلكم لم يكونوا يقسمون على الله بذاته ولا يسألون به بل يقولون اللهم ابعث هذا النبي الأمي لنتبعه ونقتل هؤلاء معه ". هذا هو النقل الثابت عند أهل التفسير وعليه يدل القرآن الكريم فإنه تعالى قال:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} والاستفتاح الاستنصار وهو طلب الفتح والنصر، فطلب الفتح والنصر به هو أن يبعث فيقاتلون معه بهذا ينصرون، ليس هو بأقسامهم به وسؤالهم به إذ لو كان كذلك لكانوا كلما سألوا أو أقسموا به نصروا، ولم يمكن الأمر كذلك بل لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نصر الله من آمن به وجاهد معه على من خالفه. وما ذكره بعض المفسرين من أنهم كانوا يقسمون به أو يسألون به فهو نقل مخالف للنقول الكثيرة المستفيضة المخالفة لهذا النقل وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في دلائل النبوة. وفي كتاب الاستغاثة الكبير، وكتب السيرة ودلائل النبوة والتفسير مشحونة. بمثل هذا النقول الكاذبة قال أبو العالية وغيره:"كان اليهود إذا استنصروا بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي نجده مكتوباً عندنا حتى نغلب المشركين ونقتلهم فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، ولفظ الآية إنما فيه {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} وهذا كقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} والاستفتاح طلب الفتح وهو النصر، ومنه الحديث المأثور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين أي يستنصر بهم أي بدعائهم كما قال "وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم بصلاتهم ودعائهم وإخلاصهم "، وهذا قد يكون بأن يطلبوا من الله تعالى أن ينصرهم