٢- أما المعتزلة فقد انقسموا على أنفسهم فافترقوا عدة فرق فأقربهم من يثبت الأسماء مع نفي الصفات مع ملاحظة أن أسماء الله عندهم كالأسماء الجامدة التي لا تدل على المعاني ومن غلاتهم من ينفى الصفات والأسماء معاً ولا يثبتون إلا ذاتاً مجردة من الأسماء والصفات حتى أصبح وجود الله عندهم وجوداً ذهنياً فقط، ولا يتصور وجوده في الخارج.
هذا ما نتج من ذلك التصرف والتلاعب بالنصوص بل عزلها عن وظائفها كما قلنا سابقاً وفي النهاية استولت عليهم الحيرة واستوحشوا مع أنفسهم بعد أن فقدوا الأنس بالله، ومهما تستر القوم بما أبدوا من تعظيم مبحث العقيدة بتلكم العبارات المعسولة التي سبق ذكرها والتي لا تنطلي إلا على من يجهل القوم على صورتهم الحقيقية، فقد انجلى لكم دارس فاهم ما انتهى إليه أمرهم فاسمعوا معي ما قال بعض فطاحلتهم متندمين في آخر جولاتهم في علم الكلام والفلسفة ولعل الله ختم لهم بالتوبة النصوح وحسن الخاتمة يقول الرازي متندماً وواصفاً لحياة علماء الكلام:
وغاية سعي العالمين ضلال
١- نهاية أقدام العقول عقال
وحاصل دنيانا أذى ووبال
٢- وأرواحنا في وحشة من جسومنا
سوى أن جمعنا فيه: قيل وقالوا
٣- ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
إلى أن قال:"لقد تأملت الطرق الكلامية والمفاهيم الفلسفية، ما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ، ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ". ويقول الشهرستاني هو الآخر:"إنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم حيث يقول: