وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المشركين من أهل مكة الذين كانوا قد أقروا بتوحيد الربوبية ثلاثة عشر عاماً لينقلهم من الاقتصار على إقرارهم بتوحيد الربوبية إلى الإقرار بتوحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بالعبادة لتصح أعمالهم وتقبل، فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة مصراً على قوله:{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}[٩] . وقوله:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[١٠] . فأذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك وطنه الذي نشأ فيه وأحبه وتمنى لو استمر مقامه فيه، لأن أغلب القوم فيه لم يستجيبوا له في إخلاص العبادة لله وحده، وبقيت آلهتهم التي يرفعون إليها عباداتهم قائمة ماثلة بينهم في الوجود وفي القلوب ينحتونها بمعاولهم، ويصنعونها بأيديهم، ثم يرفعون نفس هذه الأيدي، لتلك الآلهة التي أنتجوها، يدعونها، ويرجونها، ويستعينون بها ويستغيثون، ويذبحون لها وينذرون، ويخافون منها، ويطمعون فيما يتصورون لديها من عطاء، ويذلون لها، ويخضعون عندها.