وأما المشركون في مكة فقد استمروا عاكفين على أصنامهم - التي بلغت ثلاثمائة وستين صنماً ماثلة حول الكعبة طيلة إحدى وعشرين سنة من بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، منها ثلاث عشرة سنة مدة بقائه مبتعثاً في مكة، وثماني سنوات مهاجراً في المدينة. ولما شاء الله بالفتح انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبطال إلى مكة في عام ثمان من الهجرة، فدخل البيت وأخذ يطعن الأصنام في عيونها بقوس في يده ويقول:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} والأصنام التي كانت مثبتة بالحديد والرصاص تتساقط على وجوهها - ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة، فرأى صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام- فقال:"قاتلهم الله - أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بهما قط" فأمر بالصورة - مع آلهة داخل البيت - فأخرجت كما رأى بالكعبة حمامة من عيدان فكسرها صلى الله عليه وسلم بيده - ثم بث صلوات الله وسلامه عليه سراياه إلى الأوثان التي كانت حول الكعبة فكسرت كلها منها اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى - كما أمر منادياً ينادي بمكة "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره"[١٣] وبهذا حطم صلى الله عليه وسلم الوثنيات من الوجود ومن القلوب، وطهر حياة الناس من الشركيات والأرجاس، ونادى أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"- فبدأ القوم - إلا من لم يرد الله أن يهديه - ينتقلون من الإقرار بتوحيد الربوبية إلا توحيد الألوهية وإفراد الله تعالى وحده بكل عباداتهم.