ومن ثم يبدو أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمر إحدى وعشرين سنة معادياً لمشركي مكة، ومبغضاً لهم ومخاصماً - مع دعوتهم لتوحيد العبادة مدة ثلاثة عشر عاماً - وحتى السنة الثامنة من الهجرة، وكان الفتح، ووحد المعاندون، فانقلبت العداوة محبة، والبغضاء مودة، والخصام ألفة، وأصبحوا بنعمة الله إخواناً.
وما كان قيام العداوة والبغضاء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين إلا تنفيذاً لأمر الله جل وعلا في الإقتداء بإبراهيم عليه السلام ومن معه في قوله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[١٤] .
وقد أسلفنا القول بأن المقتصر على توحيد الربوبية مشرك لا يعصم دمه وماله، بيد أنه يبين له الحق بالدليل لينتقل إلى توحيد العبادة لله تعالى فترة يتأكد فيها قبوله الحق أو رده، فإن رده قوتل كما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين.