وكان من حسن الحظ أن أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة ليلةَ سبتٍ عكرمةَ بن أبي جهل في نفر من قرش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر؛ فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسل بنو قريظة إليهم: إن غدا يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نتاجز محمدا؛ فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا به.
فلما رجعت الرسل إلى قريش وغطفان بما قال بنو قريظة قالوا: والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق، وأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع لكم رجلا واحدا من رجالنا؛ فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا قاتلوا، فقال بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق؛ ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإذا رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطغان: إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا؛ فأبوا عليهم وخذل الله بينهم، وبعث عليهم الريح في ليالي شاتية باردة شديدة البرد؛ فجعلت تكفأ قدورهم وتقتلع خيامهم؛ فلم يروا بدا من الرحيل عن المدينة ورحلوا عنها.
وهكذا فعلت حيلة نعيم بن مسعود ما لم تفعله الجحافل الكبيرة؛ فشككت كلا من بني قريظة والأحزاب في نوايا بعضهم البعض وحالت بينهم وبين الاتفاق على خطة موحدة يقتحمون بها المدينة ويقضون بها قضاءا مبرما على الدولة الإسلامية الناشئة.