إنها رحمة من الله سبحانه وتعالى أن ساق للمسلمين - في أحرج الظروف - نعيم بن مسعود، وإلهام منه جلّ شأنه لنعيم حيث وفقه إلى حيلة فرقت كلمة اليهود والمشركين وأوهنت عزيمتهم، ونجّت المسلمين من شرهم، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً، وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} .
لم يكن هناك أي سبب يدفع بني قريظة إلى خيانة المسلمين والغدر بهم إلا الحقد الكامن في نفوس اليهود؛ فقد حافظ المسلمون على عهدهم لبني قريظة ولم يقدموا إليهم أي إساءة ولم تبدر منهم أي بادرة تدل على عدم الوفاء لهم؛ يشهد لذلك رد كعب بن أسد سيدهم على حيى بن أخطب حينما أغراه بنقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول له: ويحك يا حيى دعني! فلست بفاعل ما تدعوني إليه؛ فإني لم أر من محمد إلا وفاءا وصدقا.
فلو كان المسلمون قد حادوا قيد أنملة عن الوفاء لبني قريظة لكان لهم بعض العار أن يغدروا بهم وينحازوا إلى عدوهم، أما وقد وفوا لهم أكمل الوفاء وحافظوا على عهد أتم المحافظة فما كان ينبغي لهم أن يغدروا بهم في أحرج الأوقات وأشد الأزمات غدرا كان فيه فناؤهم والقضاء على دعوتهم وإبادة دولتهم، مع أن نصوص العهد كانت تلزمهم بالدفاع عن المدينة مع المسلمين جنبا إلى جنب؛ لحمايتها من المغيرين وعدوان المعتدين، لا أن يتعاونوا مع الأعداء على اقتحامها ويساعدوهم على الفتك بأهلها.