إن موقف بني قريظة من المسلمين كان موقف نقض فاجر للعهد وغدر دنيء بمن وفوا لهم وخيانة آثمة لمن إئتمنوهم؛ حتى لقد استنكره بعض عقلاءهم في حوار لهم مع حيى بن أخطب حيث قالوا: إذا لم تنصروا محمدا فدعوه وعدوه، لكن الأغلبية الغالبة منهم استجابت لوسوسته وطعنت المسلمين من خلفهم طعنة كادت أن تؤدي بكيانهم وتمحوا دعوتهم.
فما الذي كان ينبغي أن يقابل به الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الغدر وهذه الخيانة من جانب بني قريظة، إنه لم يكن من المعقول أن يترك هؤلاء يعيثون في المدينة فسادا أكثر مما عاثوا، ومن يُدري النبي عليه الصلاة والسلام أنهم لن يحاولوا إثارة الأعداء على المسلمين مرة أخرى، ويدعوهم إلى مهاجمة المدينة في غير فصل الشتاء الذي كان له بعض الأثر في تقصير أمد حصارها وإحباط الخطة التي دبروها لاقتحامها؟! كان لابد أن يحاسب النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة على ما اقترفوه من جرم وارتكبوه من إثم؛ فلم تمض ساعات على جلاء الأحزاب عن المدينة حتى أمر أصحابه بالتوجه إلى حصونهم في الجنوب الشرقي المدينة، ودفع اللواء إلى علي بن أبي طالب وأمره أن يتقدم بين يديه إلى بني قريظة في نفر من المهاجرين والأنصار؛ فأساء اليهود استقبالهم وأخذوا يشتمون رسول الله وأزواجه فلم يردّ عليهم المسلمون بأكثر من قولهم: السيف بيننا وبينكم.
ثم ركب صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه - إلى بنى قريظة؛ فأدركوا من كان هناك من المسلمين، فلما رأى اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصنوا بحصونهم؛ فحاصرهم الرسول والمسلمون خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب؛ فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه أن يخرجوا بنسائهم وأبنائهم وما حملت الإبل من أموالهم كما خرجت بنو النضير؛ فأبى عليهم ذلك فأرسلوا إليه أن يخرجوا بنسائهم وأبنائهم بلا مال ولا سلاح فأبى صلى الله عليه وسلم إلاّ أن ينزلوا على حكمه.