وقد اختلف المؤرخون في تقدير عدد من قتل من بنى قريظة؛ فمنهم من قدرهم بأربعمائة، ومنهم من قدرهم ما بين الستمائة والسبعمائة، ومنهم من قدرهم ما بين الثمانمائة والتسعمائة، وقد أسلم من بني قريظة ثلاثة رجال؛ فأمنهم رسول الله على أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
وأمر رسول الله بالذرارى والنساء فنقلوا إلى المدينة، وأمر بالسلاح والأموال فحملت إليها، أما الإبل والغنم فتركت حيث هي ترعى في المراعى، ثم قسم الأموال والنساء والذراري على المسلمين، ولم يفرق في القسم ولا في البيع بين النساء والذرية، وقال:"لا يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغوا"، وأرسل بعض السبايا إلى نجد والشام؛ فبيع واشترى بثمنه سلاح وخيل للمسلمين.
لقد جرّ بنو قريظة أنفسهم إلى هذا الحكم الذي حلّ بهم؛ فأودى بحياة رجالهم وسلبت نسائهم وأولادهم نعمة الحرية، ولو أنهم ثبتوا على عهدهم لما أصابهم ما أصابهم، ولظلوا آمنين في ديارهم، لكنها الأحقاد تدفع الناس إلى الهلاك وتسوقهم إلى الفناء.
إن الجزاء الذي حل ببني قريظة من جنس عملهم؛ فلو قدر للأحزاب أن ينجحوا في اقتحام المدينة لصار المسلمون إلى هذا المصير الذي صار بنو قريظة إليه، وهل كان في وسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم كما عامل بني قينقاع وبنى النضير من قبل؛ فيكتفي بإبعادهم عن المدينة كما أبعد أولئك؟ لا! لم يكن في إمكانه ذلك لأن التجربة أثبتت أن الإبعاد لا يكفي؛ فقد يجيّشون الجيوش ويستعدون القبائل على الرسول وأصحابه كما حدث في المرة السابقة.