وكان سعد قد أصيب في ذراعه بسهم وقت حصار المدينة فقع أحد عروقه؛ فنقل إلى خيمة امرأة تدعى (رفيدة) ، كانت لها خيمة في المسجد تداوي بها جرحى الصحابة احتسابا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يعوده، فلما حكمه في بني قريظة أتاه رجال من الأوس حملوه على حمار فقدموا به إلى رسول الله وأخذوا يقولون له في أثناء سيرهم: يا أبا عمرو! أحسن في مواليك؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد ألاّ تأخذه في الله لومة لائم.
ولما انتهى سعد إلى مجلس رسول الله قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه:"قوموا لسيدكم"، فقاموا إليه وقالوا له: يا أبا عمرو! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن أحكم فيهم بما حكمت، قالوا: نعم، ثم التفت إلى الناحية التي فيها رسول الله وهو خافض الطرف إجلالا للرسول وقال: وعلى من هنا، قال رسول الله: نعم، ثم قال سعد لبنى قريظة: أترضون بحكمي؟ قالوا: نعم، فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن الحكم ما حكم به، ثم قال: إني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذرارى والنساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد:"لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات".
ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة وأمر أن تحفر فيها خنادق، ثم أمر بإحضار رجال بنى قريظة، فجيء أرسالا، فضربت أعناقهم ودفنوا في الخنادق، ولما جاء دور حيى بن أخطب - وكان قد دخل مع بنى قريظة حصونهم - نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"ألم يمكن الله منك يا عدو الله"، قال: بلى أبى الله إلا أن يمكنك منى، والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذل الله يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله؛ كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بنى إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه.