فلما بلغ رسول الله خبره - وكان قد استبطأه - قال:"أما أنه لو جاءني لاستغفرت له؛ فإذا قد فعل ما فعل فما أنا بالذي يطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه"، ومكث أبو لبابة ست ليال لا يذوق طعاما ولا شرابا، وكانت امرأته تأتيه في كل وقت صلاة فتحله حتى يصلى، ثم تربطه إلى عمود المسجد كما كان، حتى خرّ مغشيا عليه وقد أنزل الله سبحانه وتعالى توبته على رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله جل بشأنه:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فأقبل الناس على أبي لبابة يبشرونه بتوبة الله عليه، وأرادوا أن يحلوه فأبى حتى يكون رسول الله هو الذي يحله بنفسه؛ فلما ذهب الرسول إلى المسجد حله، فقال يا رسول الله: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي.. فقال صلى الله عليه وسلم:"يجزيك الثلث أن تتصدق به".
أما بنو قريظة فقد نزلوا حكم رسول الله؛ فشفع فيهم الأوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالى إخواننا بالأمس ما قد علمت، يشيرون إلى معاملة رسول الله لبنى قينقاع وبني النضير؛ فقال رسول الله صلى الله وسلم "ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم"؟.. قالوا: بلى، قال رسول الله:"فذاك إلى سعد بن معاذ".