إن الذي دفع مرجليوث ومن هو على شاكلته من المستشرقين إلى هذه المغالطة المفضوحة إنما هو التعصب الأعمى والحقد المجنون على الإسلام وبني الإسلام، وإنا لنعجب لهذا الأسلوب الذي اتبعه مرجليوث ومن لفّ لفه من المستشرقين في فهم الأحداث التاريخية؛ فإذا روى المؤرخون أن علي بن أبي طالب قبض على أحد يهود (فدك) ؛ فاعترف له بأنه مبعوث من قبل أهلها إلى خبير يعرض على أهلها معونة فدك على مهاجمة المدينة على أن يجعلوا لهم جزءا من ثمار خيبر؛ إذا قيل لهم ذلك شكوا واتهموا المؤرخين بتزييف الحقائق؛ لأن ذلك سيبطل دعواهم ويدحض حجتهم في اتهام النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه بالإغارة على اليهود لسلب أموالهم.
وإذا ذكر المؤرخون الأسباب الحقيقية لكل عزوة غزاها المسلمون، والدوافع الواقعية لكل عقاب أنزله الرسول عليه الصلاة والسلام بأعداء دعوته، ورووا وقائع ثابتة تدل على وفائه بعهوده وحرصه على المسالمة وكراهية لسفك الدماء ومحافظته على حقوق الحوار؛ وإذا سمعوا ذلك كله وضعوا أصابعهم في آذانهم وأصروا على اتهامهم للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قد غير سياسته: سياسة المسالمة لليهود التي أعلنها في أيامه الأولى عقب هجرته إلى المدينة.
ويكفي للرد على ما زعمه مرجليوث وغيره من متعصبي المستشرقين من أن المسلمين لم يهاجموا خيبر إلا طمعا في الاستيلاء على أموالها؛ يكفي للرد على هذا الزعم ما أجمع عليه المؤرخون من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راغبا عن حطام الدنيا مكتفيا منها بما يقيم الأود ويحفظ النفس، وأن أصحابه كانوا يسيرون على نهجه ويتبعون خطاه، ولعل في فرار المهاجرين بدينهم من مكة وتخليهم على أموالهم وإيواء الأنصار لهم وإعالتهم إياهم وتحملهم جميعا آلام الفقر والجوع وصبرهم على الحرمان؛ لعل في ذلك كله ما يثبت عزوفهم عن الدنيا وإعراضهم عن زخرفها ويدحض تلك التهمة التي رمى مرجليوث غيره من المسلمين بها.