ويظهر هذا التفوق في أنه نقل ما يمكن نقله، وكل ما عرفه إلى الدور العملي؛ مخالفا بهذا ما كان عليه الفقهاء والعلماء في عصره ومن قبل عصره، حتى استحق أن يلقب بالداعية، بل كان الداعية الأول في المغرب.
صادف - كما قلنا - زمن خروج عبد الله إلى بلاد الأندلس أن كانت واقعة في محنة حكام الطوائف الذين قسموا البلاد فيما بينهم، وكان ذلك بعد بداية القرن الخامس الهجري، الذي يتفق وعمر عبد الله.
ولقد رأى ما آل إليه الحكم في هذه البلاد، وطغيان هؤلاء الذين اغتصبوا الحكم، وما فعله بعضهم ببعض، وكيف التحق بالحكام الشعراء والفقهاء والعلماء من هزيلي العقيدة؛ فأباحوا لهم المنكر وحللوا لهم الحرم.
وكان في المغرب والأندلس فئة قليلة ابتعدت عن طريق الحكام الطائفيين في، وتمسكوا بأهداب الدين القويم، ولم تغرهم المناصب، ولم تسول لهم نفوسهم أن يقتربوا من هؤلاء الحكام تحت تأثير تأويل من التأويلات المريضة التي يظنون أنهم بها يحسنون صنعا، وهم في الحقيقة قد ضلّ سعيهم؛ لم تكن تلك الصفوة التي اختارها الله لتحافظ على الحق إلا سوطا يلهب أحيانا ظهور الحكام الخارجين على تعاليم الإسلام، كانت مخلصة محافظة على نشر مبادئها، لا تعرف المراءاة والمداهنة، وكثيرا ما كانوا يتحسرون على ما آل إليه أمرهم من الفرقة والانقسام وارتماء حكامهم في أحضان غير المسلمين.
رضي هؤلاء الكرام بشظف العيش وخشونة الحياة؛ يقيمون في المساجد، يفسرون القرآن ويروون، الحديث ويدعون الناس إلى التمسك بنهج السلف الصالح، وكثيرا ما كانوا يعرّضون بالحكام ويصورون للناس أعمالهم بصورة لا يجدون لهم منها مخرجا إلا الاستسلام للأعداء الملة؛ لذلك فقد حاربهم أداة الحكم الفاسد، ولكنهم لم يرهبوهم فكانوا يخاطبون الناس ويجهرون بالقول ويحرضون المسلمين على الخروج على الطغاة؛ لذلك فهم على استعداد إما للتقل أو للاستسلام أو التمثيل بهم.