هذا ما كان عليه حال الأندلس إبان طلب عبد بن ياسين للعلم، وربما صرفه عنا لاشتراك مع شيوخه في الدور السياسي في الأندلس شعوره بأن هناك مكانا آخر أولى به وهو المغرب؛ فخير مكان ينشر فيه مبادئه وعلمه إنما هو بين قومه وأهله.
ومرت الأيام.. سبع سنوات..؛ نهل فيها عبد الله ما شاء له، وعرف الكثير مما عليه حال المسلمين، ووعى كل ذلك بفهم الدارس لكل ما وقع تحت سمعه وبصره.
حياته العملية:
قرر عبد الله الرجوع إلى وطنه، وأراد أن يكمل المسيرة، ويرى بنفسه ما آلت إليه البلاد، ويطلع على أحوال أخطر جماعة على الإسلام، وفشل كل محاولات الولاة بالمغرب في القضاء عليها، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، واستشرى أمرها، وأصبح في استطاعتها الهجوم على من حولها، وتغيير وجه الشريعة الإسلامية بإدخالهم عليها من الكذب والبهتان ما يمكن أن يشوه حقيقتها هؤلاء هم (البرغوطيون) .
وسوف نتعرض لهم بشئ من التفصيل بعد.
لقد مر على تلك الأقوام، ورأى ما آل إليهم من الأمر، وتمنى لو أوتي من القوة ليقضى على هؤلاء القوم، ويطهر أرض المغرب من عبثهم ومكرهم وخطتهم التي يسيئون إلى الإسلام بالتغيير والتبديل، وكان معهم على موعد؛ فقد حقق الله وعده؛ فسيرجع إليهم بجيش كبير من المرابطين.
لم تطل إقامته عند أهله وقبيلته بجزولة، ويعتقد أنه لم يجلس معهم طويلا؛ فربما لم يجد في شبابهم من يستطيع أن يكون عوناً له على أداء رسالته؛ ففضل أن يكمل تعليمه بتهذيب النفس وتأديبها بالانقطاع للعبادة في رباط من الربط القديمة؛ ليزداد خبرة وعلما، وليتعرف أكثر على أحوال القوم، وإن في اختلاطه بمن هو أكبر منه سنا وعلما يكون مدعاة للاستفادة التي قد تنفع في المستقبل الذي خطط له.