لقد اختار رباط نفيس؛ فإن شهرته عمت الصحراء، وإن شيخه التقي الورع (وجاج بن زلو) قد فاق علمه وأخلاقه ومكانته الآفاق، وإن وجوده فيه ضرب من تخطيط القدر الذي قد يمر البعض مر العابر إلا أن الذين لهم أثر في تغيير مجرى الحوادث يكون اهتمام القدر بهم أكثر، ولا شك أن القدر له مع عبد الله موعد في رباط نفيس.
اختيار عبد الله للدعوة:
أحدث عبد الله تغيير كبيرا في الرباط؛ فهو الخطيب صاحب الصوت الذي يجوب الآفاق، وهو المفسر المحدث والفقيه، وهو الذي يجذب الجميع بحديثه وحواره وآرائه ومناقشاته؛ لذلك حينما ذهب الزعيم يحي بن إبراهيم أمير قبيلة جدالة إلى القيروان يطلب من العارف بالله الفقيه والسياسي البارع أبي عمران الفاسي من يعاونه على تعليم قومه أصول الإسلام الصحيحة في قوله: إننا في الصحراء منقطعون لا يصل إلينا إلا بعض التجار الجهال حرفتهم البيع والشراء، وفينا أقوام يحرصون على تعليم القرآن وطلب العلم ويرغبون في الفقه والدين لو وجدوا إلى ذلك سبيلا.
أرسله أبو عمران إلى تلميذه المقرب إليه الفقيه (وجاج بن زللو) شيخ رباط نفيس ومعه رسالة يقول فيها رحمه الله: ابعث إلى بلده من تثق بدينه ورعه وكثرة علمه وسياسته؛ ليعمهم القرآن وشرائع الإسلام، ويفقههم في الدين، ولك وله في ذلك الثواب والأجر العظيم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
دخل يحي على فقيه السوس وسلّمه رسالة أستاذه أبي عمران، وما أن انتهى من قراءتها حتى انفرجت أساريره، وظهر السرور والبشر على وجهه؛ فقد عادت به إلى ذكريات شيخه ومجالس علمه، وحملاته على الحكام الذين أساءوا إلى الشريعة، وتنقلاته مطرودا من بلد إلى بلد.