كان الداعية عبد الله في رباطه الجديد يتولى تعليم أتباعه بنفسه، وكان رائده الإمام مالك رحمه الله؛ فكان يرى أنه أشد الناس التزاماً لكتاب وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما سار عليه الصحابة والتابعين، كان يخوفهم من النار وعذاب الآخرة ويشوقهم إلى لقاء الله وما أعده للمؤمنين الصادقين من ثواب في الجنة، كان يطلب منهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأن يتهيئوا للجهاد الذي هو عصب الدعوة الإسلامية.
والظاهرة الجديدة في تعاليم ابن ياسين بالرباط هي اهتمامه بالصلاة والمحافظة عليها في أول أوقاتها وأدائها في جماعة، ومعاقبة المتخلف عنها ومحاسبته على كل ركعة يتخلف عنها؛ فالذي يتأخر عن الجماعة يضرب عشرين سوطا، والذي تفوته ركعة مع الجماعة يضرب خمسة أسواط [٤] ، وكان يطلب من تركها في الماضي أن يؤدى ما فاته، وبجانب هذا كان احترامه لمسجد الرباط شديدا، وكان يعزر كل من يتكلم في المسجد في أمور الدنيا.
وهكذا رأى عبد الله أن المخالف لابد أن يؤخذ بالقوة حينما يخرج عن أمر الله وطاعته، وأن حدود الله تلتزم التزاما، وأن العاصي يستحق العذاب، وأن المخالف عليه أن يتقبل القصاص بنفس راضية.
ولقد استقام أمر الجماعة، ورضخ الكل لحكم الله حتى أصبحوا أعضاء صالحين في مجتمعهم الجديد؛ فزاد إقبالهم وكثرت جموعهم وأطاعوا وآمنوا بما يدعو إليه إمامهم، وأقبلت جموع الملثمين تعاهد الله على الوفاء والإخلاص والتضحية، وكثيرا ما كان يحثهم على تحمل المسؤولية، ويهيب بهم أن يكونوا دعاة لأمر الله؛ فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
خطبهم يوما فكان مما قال:"يا معشر المرابطين إنكم جمع كثير، وأنتم وجوه فئاتكم ورؤساء عشائركم، وقد أصلحكم الله تعالى وهداكم إلى صراطه المستقيم؛ فوجب عليكم أن تشكروا نعمته وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر وتجاهدوا في الله حق جهاده".