للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكّر عبد الله في الذهاب إلى السودان [٢] لينشر الإسلام بين قوم على الفطرة، وما يزالون يعبدون الأوثان، وقد تكون استجابتهم للإسلام أقوى من أولئك الذين تلوثت عقائدهم بالسيئ من العادات والتقاليد، وجمع من معه واستعدوا للرحيل، إلا أن يحي بن إبراهيم جاءه ليعتذر عما حصل من قومه، ثم سأله إلى أين تذهب؟ قال عبد الله إني ذاهب إلى السودان.

قال له يحي: "إني لا أتركك تنصرف، وإنما أتيت بك لأنتفع بعلمك في خاصة نفسي وديني، وما عليّ من ضل من قومي [٣] ، وسكت عبد الله على غير عادة؛ فلم يكن من طبعه السكوت عن جوابه، فأتم يحي كلامه قائلا: ولكن هل لك في رأي أشير به عليك إن كنت تريد الآخرة؟ قال: وما هو؟ قال: إن هاهنا جزيرة في البحر ندخل إليها فنعيش فيها".

فقال له عبد الله: "إذاً نبني رباطا؛ فهلم بنا ندخلها باسم الله تعالى، وبنى عبد الله بن ياسين رباطه الذي سمي برباط السنغال".

في هذا الرباط أنشأ أول جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أفريقية، وبدأ يختار لدخول الرباط؛ فلا يترك الباب مفتوحاً ليدخل من يريد، بل كان يتردد طويلا ويمتحن المريد ليعرف الهدف الذي من أجله يريد الانضمام ومدى إخلاصه للدعوة؛ فإذا وجد منه استماتة في الانضمام ألزمه بأن يطهر نفسه من الرجس والدنس عما اقترفه من ذنوب وآثام، ثم يطلب منه أن يتوب من ذنوبه قائلا: قد أذنبت ذنوباً كثيرة في شبابك؛ فيجب أن يقام عليك حددوها؛ فإذا أقر بذنب أقام عليه الحد، فإن كان غير محصن وزنى جلد مائة جلدة، أو أقر بشرب الخمر وقع عليه حدها، وكان أحيانا يطلب من الواحد منهم أن يسلم إسلاما جديدا.