لقد كانت إجابات عبد الله موسومة بالحجة والدليل، مبينا لهم أن الذين يحللون ما حرمه الله ما هم إلا قوم فسقة فجرة خارجين على الدين..
قالوا له:"أترمينا بالكفر؟.."فقال لهم: "أما أنتم فلكم حساب ستعرفونه قريبا إن شاء الله؛ فإني أرى أنكم ما تزالون تجمعون بين أكثر من أربع من النساء، وهذا كفر بالشريعة والتشريع الإلهي وهو زنى عاقبته الرجم، والتفرقة بين الناس فسق، وخروج على تعاليم الإسلام، ثم إن الأدهى والأمرّ أكلكم أموال الناس بالباطل، وجباية الأموال بدون وجه حق، ما هو إلا زور وبهتان".
وترك القوم وهم يتوعدونه، إلا أنهم عزموا على مراجعة يحي بن إبراهيم الذي أتى به إلى ديارهم، ولما كلموه في ذلك انبرى يحي يدافع عن عبد الله، ويطلب من القوم أن يستجيبوا له، وأن ينفذوا طلبه، لكنهم قالوا له: لقد قلنا لك، وسنفعل به ما نشاء، فهو ليس رجلا هينا أو ضعيفا، وأنهم لا يستطيعون إغراءه؛ فهو من صنف لم يروا مثله من قبل.
أغروا به سفهاءهم، ولكنه واتباعه ثاروا عليهم وأشبعوهم ضربا حتى الموت، فجروا إلى كبرائهم الذين هدءوا من روعهم، واجتمع كبار القوم بأنفسهم ليعلنوا العداوة والنزال.
كان من أشدهم عداوة للداعية شخص يدّعي التفقه يقال له الجوهر ابن سحيم؛ فجادل عبد الله، ونقض عليه بعضا من آرائه، واتهمه بالتناقض فيما يدعو إليه، ولم يترك الداعية ليرد عليه، فقد قام اثنان منهم يقال لأحدهما أيار وللآخر انتيكو، وقررا عزله عن الرأي والمشورة ووافقهم القوم، وهددوه بالموت إن لم يترك البلاد، وجروا إلى داره؛ فانتهبوها وأخذوا ما فيها وهدموها، وقرروا قتله فخرج منها خائفا يترقب [١] .