كان يفعل ذلك في كل وقت وفي كل مكَان يمر به؛ فلا عجب أن أثار في الناس الحب الشديد لهذا الدين القويم، لقد فرحوا فرحاً شديدا باللحظات التي قضوها معه، وفهموا جيدا ما يدعو إليه، فلا غرابة أن نرى شيخا بربريا يسرع ليقترب من راحلة عبد الله وأن يمسك بزمام دابته قائلا بصوت مرتفع: أرأيتم هذا الجمل، لابد أن يكون له في هذه الصحراء شأن عظيم.
لقد أطلق يحي بن إبراهيم على عبد الله إمام الحق لما لمس فيه من سعي وراء الحقيقة وعمل على إحياء الشريعة وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عبد الله والجدالين:
وصل عبد الله دور قبيلة جدالة، وبدأ يدرس حالة القوم، إنهم ما يزالون يتزوجون بأكثر من أربع، وما تزال المكوس تفرض، والناس نوعان أسياد وعبيد، والخمور تشرب وكأن القوم لم يسمعوا أنها محرمة، وآلات الطرب تباع ويقبل عليها القوم وليس لهم من الإسلام إلا اسمه.
وكان الداعية عبد الله فرحا بلقاء القوم، فأعد لهم مصلاهم، واهتم بالجماعة والمحافظة على وقت الصلاة، وواظب على وعظ الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن ذلك لم يغير من عاداتهم؛ فبدأ يحزنه حال القوم فأضرب عن طعامهم، وكان جماعة منهم قد استجابوا للداعية وتسابقوا في حبه وطاعته في كل ما يأمر به.
جمع اتباعه وطلب من بائعي الخمر أن يريقوا خمورهم، ومن بائعي آلات اللهو والطرب أن يكسروا آلاتهم، وأمهلهم وقتا؛ فلما لم يقوموا بأنفسهم قام هو ومن معه بإراقة الخمور وتكسير آلات الطرب، ولم يكتف بذلك بل قام خطيبا يبين للناس ضرر الخمر وموقف الدين منها، والأضرار التي تصيب الناس من اللهو والغناء، ثم دعا الناس إلى الجهاد وما أعده الله للمجاهدين.
وصل الخبر إلى رؤساء القوم؛ فتعجبوا من أفعاله التي لم يسبق إليها فقيه قبله، ونادوه ليسألوه: كيف يقبل على هذا الأمر من غير أن يستشيرهم أو يأخذ رأيهم؟ ثم كيف يفسد أمتعة الناس ويحرمهم من أرزاقهم؟