٣- لقد كانت، هذه التجزئة في الأدب مساوية تماما للتجزئة السياسية التي وجدت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث الدعوة إلى الإقليمية والوطنية الضيقة، وبذلك أغلقت الأبواب دون الفهم الصحيح للروابط الاجتماعية والسياسية والفكرية بين الأمة العربية من ناحية وبين العرب والمسلمين من ناحية أخرى، ودعا بعضهم إلى إغلاق الأبواب في وجه كل ما يسمى عروبة أو إسلاما.
في هذه الفترة الحرجة من تاريخ أمتنا يتسائل الكثيرون عن (اختفاء الفكر العربي الأصيل) ، ويردونه إلى عجز الأدب (إبان النكسة والنكبة، وخلال مرحلة ١٩٤٨م إلى ١٩٦٧م) عن العطاء.
وقد أجاب البعض إجابات جانبية وعجزوا عن أن يفهموا أعماق هذه الظاهرة.
إن الأزمة أكبر من الأدب نفسه، فالقضية قد انتقلت إلى مجال الفكر الإسلامي بعد أن فشل الأدباء في الاستجابة الحقيقية للأمة، وكان أغلب ما قدموه لا يمثل حقيقة هذه الأمة ولا جوهر فكرها ولا مضمون روحها، وإنما كان مترجمات ضالة من الفكر الوثني والمادي.
ولقد حجب في هذه الفترة كل كتّاب الأصالة حتى ماتوا كمدا بعد أن حجبت آثارهم ومنع إنتاجهم، وكثيرون غيرهم اعتقدوا أن راية الإسلام هي المظلة الحقيقية.
إن الأدباء كانوا تابعين لمدارس وأيديولوجيات ومفاهيم موزعة بين المذاهب المادية والبشرية، وكانوا يحاولون أن يتخذوا من القصة وسيلة إلى هدم المقومات، ويتخذوا من النظْم وسيلة إلى هدم عمود الشعر، ويتخذوا من البرامج الإذاعية وسيلة إلى هدم الفصحى وتغليب العامية بما تحمله من مفاهيم فاسدة.
وكان هذا النتاج كله يدور حول الأحقاد التي يحملها الشيوعيون والشعوبيون للإسلام والعرب ولغتهم ودينهم وفكرهم وتاريخهم، وكانوا يدورون في دائرة ضيقة هي الهدم والصراع الطبقي.