إن هذه الأساليب طبيعية لابد منها في صوغ الأفكار والميول والاتجاهات، وفي إثارة الأشواق والأذواق، بشرط أن تركز هذه الوسائل كلها على نقطة واحدة هي نقطة إنشاء جيل يختلف في وجدانه وذوقه وعقليته وسلوكه عن جيله السابق كل الاختلاف، جيل يضع إقامة ميزان الإيمان؛ فيربح فيما يخسر فيه الآخرون ويخسر فيما يربح فيه الآخرون، ممن يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله، جيل تختلف عنده مقاييس الغضب والرضا والفقر والغنى والإخفاق والنجاح والتقدم والتخلف؛ فهو يشفق على عمالقة الغرب وأبطاله وأساتذته وفلاسفته، كما يشفق الخبير البصير على ضرير ضلّ الطريق ووصل على حافة بئر سحيق أوشك أن يقع فيه، ويعتبرهم أشدّ جهلا وعجزا من أي شعب آخر؛ إيمانا وتسليما بقول الله عز وجل:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(الآيات ١٠٣- ١٠٤ من سورة الكهف) .
إننا حقاً مرضى ألسنتنا التي أصبحت لا تميز بين المر والحلو؛ لماذا؟ لأننا فقدنا حاسة الذوق كما فقدنا حاسة الشم، لابد أن نتجه - في ظل المنهج والنظام والشرع طبعا - إلى ذوق إسلامي يحرسنا من النزوات الفكرية والتلوث الذهني وصدأ القلب.
يجب علينا أن نضم إلى سلاح العلم والعرفان؛ سلاح الذوق والإيمان، وبهذا الذوق وحده نفرق بين الخبيث والطيب، ولا يتحلب فمنا على كل حماقة غريبة إذا كانت غربية.
إن أمتنا العربية المسلمة لا يمكن أن تسترد عزتها المسلوبة ولا كرامتها المفقودة إلا يوم أن تعود إلى دينها؛ تستقي من معينه الفياض وترتشف من ينبوعه الصافي.