ثم إن الشيخ وفقنا الله وإياه! يميل بقوة - حسب فهمي من كلامه - إلى أن رد السلام منه عليه السلام المشار إليه في الحديث إنما يصل لمن سلم من قريب دون من سلم من بعيد، ودليل ذلك كونه حكى الإجماع على أن ردّ السلام يحصل لمن سلم من قريب وسكت عن رأي من يرى أنه لا فرق بين البعيد والقريب، مما يشير إلى أنه غير معتد بذلك المذهب ولا ملتفت إليه.
مع أن ما أعرض عنه فضيلته هو الصحيح للأدلة الآتية:
أ- دعوى الاختصاص لا دليل عليها، لا من النقل ولا من العقل، وكل دعوى لا تؤيدها الأدلة مآلها للرد والبطلان.
ب- الحديث مطلق من القيود، وما أطلقه المشرع لا يجوز تقييده بدليل سوى الظن؛ فقد وصف الله الظن بأنه لا يغنى من الحق شيئا.
ج- في هذا التخصيص قياس لحال ما بعد الموت على حال الحياة، وهو قياس فاسد؛ لبعد الفارق بين الحالين؛ إذ حال الحياة محسوس مشهود، وحال ما بعد الوفاة غيب لا يعلم حقيقته إلا الله، والذي يظهر أنه لا فرق هنا بين البعيد والقريب.
ثم إن الله تعالى مكّن رسوله عليه الصلاة والسلام من رد السلام على من سلم عليه من قريب وهو في حال وفاة ومفارقة للحياة الدنيا، لا يعجز أن يمكنه من ذلك بالنسبة للبعيد أيضا؛ إذ إن القضية غيب وقدرة إلهية خارقة - والله أعلم -.