أظن كل هذا من أجل محاولة الربط الوثيق بين القبر والمسجد، كما سيأتي تصريحه بذلك والاستدلال العجيب عليه بحديث:"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".. ونسي - سامحه الله - أن المساجد تختلف عن الأضرحة، وليس بينهما وجه شبه ولا جامع مشترك.
وقال الشيخ: كما جاء في الصحيح: "ما من أحد يسلّم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام"، ثم قال: ومجمعون على أن ذلك يحصل لمن سلم عليه من قريب، ثم أكد ما ادّعاه أولا بقوله: وما كان هذا السلام يوما من الأيام إلا من المسجد النبوي، سواء قبل وبعد إدخال الحجرة بالمسجد.
مناقشة:
وهنا نناقش الشيخ من نواح حول ما نقلنا من كلامه:
١- ما مراده بالصحيح؟.. أيعني البخاري ومسلم أو أحدهما كما هو اصطلاح العلماء غالبا، وكما يشير إليه اكتفاءه هو بكلمة الصحيح دون كلمة الحديث؛ إذ حسب فهمي أنه لو كان مراده غير الصحيحين لقال: كما في الحديث الصحيح، ولكن - كما يقولون - (لا مشاحة في الاصطلاح) لو كان الحديث المشار إليه صحيحا، ولكن هذا الحديث ليس في الصحيحين وليس واردا بسند صحيح؛ فأيا ما كان قصد الشيخ بهذا الوصف فهو خطأ؛ لأن الحديث في أبي داود وبعض الكتب الأخرى غير البخاري ومسلم بسند حسن فقط؛ إذ إن في سنده أبا صخر حميد بن يزيد قال فيه ابن حجر في التقريب:(صدوق يهم) .
٢- في الحديث الذي نحن بصدده قوله عليه السلام:"ما من أحد يسلم علي"، وكلمة (أحد) نكرة مسبوقة بنفي ولم توصف بما يميزها ولم تقيد بما يخصصها؛ فمن ثم تكون عامة تشمل جميع من يصدقها عليه بأنه أحد، فإذ كان الأمر كذلك من أين تكون الفضيلة الخاصة التي يدندنون حولها محاولين تأويل النصوص من أجلها؟ ... وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا فضيلة هنا للمردود عليه، وإنما الفضيلة للراد صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من باب المكافأة على الإحسان ورد الجميل بمثله.