فإما أن يقول الشيخ: إن الإجماع انعقد قبل هؤلاء وهم خالفوه، وإما أن يقول: انعقد الإجماع في زمنهم ولا عبرة بخلافهم، وإما أن يقول: إن الإجماع انعقد بعدهم.
فالأول في غاية البشاعة، والثانية مثلها، والثالثة يحتاج لإثباتها إلى دليل مقبول عند من يخالفه في هذه الدعوى، ولا أظنه يثبت وجود إجماع بعد خلاف؛ إذ إن الناس كلما كثروا وكلما طال الأمد بينهم وبين عصر النبوة كثر خلافهم وتشعبت آراؤهم وكثرت أهواؤهم؛ فكيف يتصور أن يتفقوا بعدما اختلف من في قبلهم في حكم من الأحكام أو مسألة من المسائل؟..
من أجل ذلك نكرر الرجاء إلى فضيلته ليدلنا على المصدر الذي استفاد منه فضيلته خبر هذا الإجماع الذي خفي على جهابذة العلماء قديما وحديثا، ولكننا نشرط مسبقا بأننا سوف لا نكتفي بأن يقول لنا فضيلته ذكر هذا الإجماع فلان أو علان في كتاب كذا، حتى نعلم المصدر الأساسي الذي اعتمد عليه فلان أو علان فيما نقل من هذا الإجماع؛ لأن مجرد كلام مدون في كتاب لأحد العلماء يدعى مؤلفه أن الإجماع قد انعقد على كذا وكذا - دون أن يبين مستند - لا يكفى لإثبات وقبول ما ادعاه، وما الفرق بين نسبة الإجماع إلى الأمة وبين نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ألم تر أن الحديث المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم لا يقبل ولا يعتبر حديثا لمجرد وجوده في كتاب من الكتب مهما علت منزلة صاحب ذلك الكتاب رتبة في العلم والتقوى؛ حتى يقدم السند الذي عنه تلقى ذلك الحديث؛ فينظر أهل العلم وطلاب الحق في هذا السند، هل هو ممن يقبل خبره أم ليس كذلك؟.. أليس مما يؤخذ على طالب العلم أن يتكلم في موعظة أو خطبة أو كتاب؛ فينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا أو أكثر وهو غير متأكد من صحته سندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟..