وبرهانا على ما قلنا بالنسبة لابن تيميه أن من قرأ كتبه وتتبع فتاواه وبحوثه ورسائله - وهو من أهل البصيرة في الدين - يجد أنه على مذهب السلف الصالح والرعيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة ومن على شاكلتهم من معاصريهم، فهو دائماً يدعو مخالفيه إلى الكتاب والسنة؛ فيقول لهم: بيني وبينكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أثبتا فهو الثابت وما بطلا فهو الباطل، ويقول لهم: إذا اختلفنا في فهم آية أو حديث رجعنا إلى فهوم الصحابة والتابعين والأئمة المهديين من بعدهم؛ فننظر بماذا فسروا تلك الآية أو ذلك الحديث؛ فهم أعلم منا وأفْقَهُ للغة والشرع.
فمن كان هذا مذهبه وهذه طريقته فهو ومن وافقه هم الجمهور مهما قلوا وكثر مخالفوهم؛ لأن من تبع جمهور السلف من الخلف فمذهبه مذهب الجمهور، ومن خالف جمهور السلف من الخلف فمذهبه خلاف مذهب الجمهور، بل مذهب شاذ ليس حرياً بالصواب.
والخلاصة:
أن من كان مع الدليل فهو على الصواب ولو كان واحداً بين جميع أهل الأرض، ومن قال أو عمل بغير دليل فهو بعيد عن الصواب ولو أنهم أهل الأرض جميعاً، وبصرف النظر عن كل ما تقدم وعن كل من تقدم قبل زمن ابن تيمية، وعن كل ما هو الواقع عند التحقيق في هذه المسألة، بل يصح ما قيل من أن مذهب جمهور العلماء في هذه المسألة جواز شد الرحال لزيارة القبر الشريف - وأعني بذلك زمن ابن تيمية دون غيره من الأزمنة - الصحيح أن الواقع بالعكس، وهو أن مذهب جمهور العلماء في ذلك الزمان هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام، وهو طاعة الله ورسول بالتزام مقتضى حديث "لا تشد الرحال ... " الخ.